فتح القسطنطينية(إسطنبول حاليا) دراسة تاريخية

0

 يجدر بنا أولا أن نذكر نبذة بسيطة عن نشأة محمد الثاني فاتح القسطنطينية فهو السلطان محمد الثاني إبن السلطان مراد الثاني سابع سلاطين الإمبراطورية العثمانية ولد في عام 833 هجرية الموافق 1429 ميلادية في مدينة أدرنة عاصمة الخلافة العثمانية وقت ذاك وهي تقع في الشمال الغربي من تركيا الحديثة بالقرب من حدود بلغاريا واليونان وصار وليا للعهد وعمرة 11 عاما بعد وفاة أخية الأكبر علاء الدين.وعندئذ أرسلة أبية إلي مدينة أماسيا واليا عليها ليتلقي تدريبا عمليا في فنون الحكم والسياسة وعهد بالإشراف علية لإثنين من أكبر علماء عصرة وهما الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني والشيخ أق شمس الدين فدرس علي أيديهما القرأن الكريم وعلوم الحديث والشريعة كما كان السلطان نهما أيضا لتعلم العلوم الحديثة مثل الرياضيات والفلك وعلوم الحرب وإلي جانب ذلك تعلم أربع لغات هي العربية والفارسية والاتينية واليونانية.ولا شك ان وجود عالمين بثقل الكوراني وشمس الدين إلي جانب السلطان وهو في هذة السن المبكرة كان لة  أبلغ الأثر في إهتمامة بفتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية الرومانية الشرقية(مدينة إسطنبول حاليا) حيث أنة تربي وبلا شك علي حب الجهاد وشغف الفتح وكان تطلعة لفتح القسطنطينية بالذات دونما غيرها يرجع لإرث صراع البقاء الدائر بين الدولة الإسلامية منذ بداياتها الإولي وبين البيزنطيين حيث بدأ الإحتكاك بين الدولتين منذ خلافة أبي بكر الصديق رضي اللة عنة بمعركة اليرموك وفتوحات الشام مرورا بإجتياح المسلمين الرها وقيصرية ومصر وبرقة في عهد عمر بن الخطاب رضي اللة عنة حيث فقدت الدولة البيزنطية معظم أطرافها وفي عهد عثمان بن عفان رضي اللة عنة تم الإستيلاء علي معظم أراضي البيزنطيين المتاخمة لحدود الدولة الإسلامية كما تم فتح جزيرة قبرص. لقد هزمت بيزنطة في كل المعارك الأولي بينها وبين المسلمين وتساقطت مدنها الكبري كأوراق الخريف ولكن عاصمتها القسطنطينية لم تكن لتسقط بمثل تلك السهولة فقد ظلت عصية علي الفتح قرونا طوالا نظرا لموقعها الجغرافي الفريد حيث تعتبر شبة جزيرة محاطة بالماء من ثلاث جهات ونظرا لقوة حصونها و أيضا بسبب إتصالها بأوروبا غربا. كانت المحاولة الأولي (32 هجرية-653 ميلادية) لفتح القسطنطينية في عهد عثمان حيث حاصرها معاوية بن أبي سفيان من البر والبحر ولم تفلح المحاولة ثم كانت المحاولة الثانية(52 هجرية-672 ميلادية) في خلافة معاوية بن أبي سفيان حيث حاصرها بجيش فية نخبة من الصحابة والتابعين وإستشهد تحت أسوارها الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري ودفن قريبا من أسوارها ولم تفلح المحاولة.ثم كانت المحاولة الثالثة في خلافة سليمان بن عبد الملك(716 ميلادية-718 ميلادية) بقيادة مسلمة بن عبد الملك وكانت من أطول الحملات حيث إستمر الحصار سنتين والمدينة صامدة لا تهتز وأجبر شتاء عام 718 القارص المسلمين علي الإنسحاب.ثم كانت المحاولة الرابعة في العهد العباسي في خلافة المهدي(189 هجرية-805 ميلادية ) ولم تفلح. ثم في عهد الخلافة العثمانية حاول السلطان بايزيد الأول أربع محاولات بدأت عام 1391 ميلادية وإنتهت عام 1401 ميلادية ولم يتمكن من فتحها. ثم في عهد السلطان مراد الثاني والد محمد الفاتح كانت المحاولة الأخيرة لفتحها عام 1422 ميلادية وإستمر الحصار 64 يوما  ولم يتمكن من فتحها...... ولا شك أن هذا التاريخ الملحمي لهذة المدينة كونها كانت دائما عصية علي كل القادة وجميع الجيوش التي قامت بحصارها قد أزكي في نفس محمد الفاتح أحلاما وشغفا لا يقاوم للنجاح فيما فشل فية أسلافة. وهنا نأتي لموضوع الحديث المنقول عن الرسول علية الصلاة والسلام وهو الحديث الموجود بمسند الإمام أحمد و اللذي إقترن بكل الكتابات عن محمد الفاتح وهو حديث يقول فية رسول اللة صلي اللة علية وسلم(لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) ويقال أن محمد الفاتح قد تأثر بهذا الحديث تأثرا شديدا وأراد أن يكون ذلك الأمير.ولكن الحديث فية ضعف وضعفة الألباني لأن أحد الرواة وهو عبد اللة بن بشر الخثعمي مجهول وقد إنفرد بة وفي الحقيقة فإن محمد الفاتح كانت عندة من الهمة والشغف ما يكفي لإنجاز المهمة التاريخية بصرف النظر عن  صحة الحديث من عدمة وإن كان الحديث سيلهب كل هذة المشاعر ويزيدها قوة ويقينا لو أنة صدقة بطبيعة الحال
الحديث المشهور معلق علي جدار كنيسة ايا صوفيا
أما القسطنطينية فقد أسست عام 330 ميلادية علي يد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول وهي ذات موقع إستراتيجي فريد ويكفيك نظرة واحدة علي الخريطة حتي ولو كنت غير متخصص لتدرك ذلك فهي تقع عند إلتقاء قارتي أسيا وأوروبا وقد قيل عنها لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية عاصمتها..وكان قسطنطين عالي الهمة وقد إعتنق المسيحية عام 313 ميلادية وقد أراد نقل العاصمة من روما في الغرب إلي الشرق بهدف تأمين الإمبراطورية من جهة الشرق ولا يخلو الأمر من دوافع شخصية بغرض بناء مدينة شهيرة تحمل إسمة كما فعل رميلوس منشيء روما والإسكندر المقدوني منشيء الإسكندرية وقد كان لة ما أراد

بدأ السلطان محمد الفاتح أولي خطواتة في خطة فتح القسطنطينية حيث قام ببناء قلعة روملي حصار الحصينة علي الجانب الأوروبي في مضيق البسفور وذلك في عام  1452 ميلادية وكان موضع بنائها عند أضيق نقاط المضيق والمقابل للقلعة التي شيدها السلطان بايزيد علي الجانب الأسيوي من مضيق البسفور وكانت المسافة بين القلعتين المتقابلتين هي 660 مترا فقط وبذلك تمكن الفاتح من التحكم في مرور السفن من شرقي البسفور إلي غربة.وتستطيع مدافع القلعتين أن تغرق أي سفينة  قادمة من البحر الأسود تريد  العبور نحو القسطنطينية بغرض المساعدة أو العكس...
قلعة روملي حصار كما تبدو اليوم
وكانت ثاني أهم الخطوات هي الإهتمام بسلاح المدفعية لأنة سيكون السلاح الرئيسي في المعركة لأن أسوار القسطنطينية الحصينة لا يمكن هدمها أو إجتيازها بالوسائل التقليدية القديمة وقد أثبتت المدينة ذلك علي مدار قرون عدة وكان من المسلم بة عند الغالبية أن المدينة غير قابلة للسقوط....فكان لابد من العثور علي وسيلة جديدة لهدم تلك الأسوار المنيعة.وفي صيف عام 1452 إستقدم السلطان مهندسا مجريا بارعا في صناعة المدافع يسمي أوربان فأجزل لة العطاء ولبي لة كل إحتياجاتة فتمكن هذا المهندس من تصميم العديد من المدافع الضخمة وعلي رأسها المدفع السلطاني اللذي يصل وزنة إلي مئات الأطنان ويحتاج لمئات من الثيران القوية لتحريكة ويستطيع المدفع إطلاق ثمانية طلقات فقط في اليوم والليلة  حيث يستغرق تبريد المدفع وملئة مرة أخري بالذخيرة حوالي ساعتين بعد كل طلقة ومن عجائب القدر أن هذا المهندس المجري قد عرض خدماتة علي الإمبراطور البيزنطي فلم يتلقي أي عناية أو تقدير ولكن عين الفاتح الثاقبة إلتقطتة فكان لمدافع أوربان أبلغ الأثر في التغلب علي مناعة أسوار القسطنطينية
مدفع عثماني
وفي نفس الوقت عمل السلطان علي تقوية الأسطول العثماني وتحديثة ليكون مستعدا للقيام بدورة في المعركة حيث أن حصار القسطنطينية وهي مدينة بحرية بالدرجة الأولي محاطة بالماء من ثلاث جهات لا يكتمل دون وجود أسطول بحري وقد بلغ عدد السفن العثمانية المشاركة في الحصار أكثر من 400 سفينة

وأخيرا قبل الحصار عقد الفاتح معاهدات هدنة مع أعدائة الأخرين من دول صربيا و المجر ومدينة البندقية ليتفرغ للقسطنطينية وإن كانت هذة المعاهدات لم تصمد بعد بدء الحصار حيث أرسلت العديد من القوات لمساعدة القسطنطينية من السقوط بواسطة هذة الدول
وحاول الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر لما تأكد من نية الفاتح في الغزو والحصار إثنائة عن ذلك بالهدايا والأموال وتعهدة ببناء مساجد وإستقبال المسلمين داخل المدينة فلما لم يفلح إتجة غربا نحو أوروبا النصرانية فأرسل السفراء إلي دولا كثيرة في صيف عام 1452 إلا أن الإجابة كانت فقيرة وكان لطبيعة الصراع المذهبي دورة الكبير في تشتيت دور أوربا النصرانية لإنقاذ المدينة حيث كانت القسطنطينية معقل الأرثوذكسية وكان الإمبراطور حاميا للمذهب الأرثوذكسي وكانت أوروبا الغربية معقلا للكاثوليكية,.وقد حاول الإمبراطور البيزنطي التقرب إلي بابا النصاري وعرض علية توحيد الكنيستين تحت إشرافة وقامت مراسم كنسية علي الطريقة الكاثوليكية في كنيسة القسطنطينية الشهيرة أيا صوفيا ولكن قوبلت المحاولة بمعارضة شديدة من الشعب البيزنطي حتي قال رئيس وزراء البيزنط الدوق نوراراس (إني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك علي أن أشاهد القبعة اللاتينية) واخيرا وصلت مساعدات ضعيفة فأرسلت البندقية عشرة سفن وأرسل البابا 30 سفينة وإتخذت جنوة موقف الحياد حفاظا علي مصالحها التجارية إلا البحار الجنوي جيوفاني جيوستنياني فقد أتي مع 700 رجل مسلح  بمبادرة فردية ووصلو بعد بدء الحصار وتمكنو من إختراق الحصار البحري العثماني وقد إستبشرت المدينة بوصولهم وإرتفعت الروح المعنوية وعين  جيوستنياني قائدا عاما للدفاع عن المدينة...أما المسيحين الأرثوذكس فلم يقدمو أية مساعدة فروسيا كانت تعاني من مشاكلها كما أنها صدمت من إعلان إتحاد الكنيستين وأما مولدافيا فكانت تدور فيها حربا أهلية وكان حاكم صربيا خاضعا السلطان  محمد الفاتح بل إنة أرسل لة جنودا للمساعدة

بداية الحصار:كانت البداية بتمهيد الطريق بين أدرنة والقسطنطينية لنقل المدافع الضخمة إلي مكان المعركة وقد إستغرق ذلك شهرين ووصلت الأجناد العثمانية في حشد ضخم قرابة 120 ألف جندي بقيادة السلطان الفاتح إلي القسطنطينية في 26 ربيع الأول 857 هجرية الموافق 6 أبريل 1453 ميلادية وعسكرت علي بعد ميل ونصف من أسوار المدينة وإنتشر الإسطول العثماني في المياة المحيطة بالمديتة ولكنة لم يستطع الوصول إلي خليج القرن الذهبي بسبب وضع المدافعين سلسلة حديدية ضخمة(موجودة في المتحف العسكري حاليا بإسطنبول) تمنع الدخول ومن ورائها أسطول البيزنط وفي 15 أبريل هزم الأسطول العثماني أثناء محاولتة عبور تلك السلسلة وتحطيمها في معركة بحرية سميت بمعركة القرن الذهبي دارت بينهم وبين سفن البيزنطيين التي تدافع من خلف السلسلة
ما تبقي من سلسلة خليج القرن الذهبي

وفي يوم 18 أبريل بدأت المدافع في العمل و أحدثت ثلمة في الجزء الغربي من الأسوار عند وادي ليكوس وإندفعت العثمانية نحو الثلمة الحادثة ودارت مقتلة عظيمة إنتهت بصد العثمانيين وبناء ما تهدم من الأسوار وفي نفس اليوم تمكنت أربع سفن من جنوة وواحدة من مورا من خرق الحصار البحري والدخول إلي القرن الذهبي بعد معركة بحرية هزم فيها العثمانيون مرة أخري وإستشاط السلطان غضبا وعزل قائد الإسطول بلطة أوغلو وأقام مقامة حمزة باشا ولاحت لحظة يأس نصحت فيها مجموعة من مستشاري السلطان بزعامة الوزير خليل باشا  بالعدول عن محاولة الإستيلاء علي المدينة ومصالحة أهلها ولكن عزيمة السلطان وإصرارة علي تحقيق الهدف حال دون ذلك..وفي يوم 21 أبريل أطلقت قذائف اللهب الطيارة والتي تعتبر الأصل في إكتشاف سلاح الهاون لأول مرة في التاريخ علي أسطول البيزنط..ولكن كان كل ذلك بلا جدوي لأن عدد طلقات المدافع السلطانية قليل لا يتجاوز 8 طلقات في اليوم لكل مدفع وكلما تهدم جزء من الأسوار قام المدافعون بترميمة سريعا وبدا الأسطول العثماني بلا حول ولا قوة وهو محجوز خلف السلسلة الحديدية العملاقة وغير مشترك في المعركة وكان من الازم إدخال الأسطول إلي داخل خليج القرن الذهبي وهنا فكر العثمانيون في حل غير نمطي لتحقيق ذلك ونفذت فكرة من أعجب خطط الحروب عبر التاريخ حيث نقلت حوالي 70 سفينة صغيرة ليل 22 أبريل برا من البسفور إلي بر المضيق الذهبي لمسافة ثلاثة أميال ليتم إنزالها في المياة خلف الأسطول البيزنطي...ولم يكن الطريق ممهدا بل كان عبارة عن تلال مرتفعة فسويت الأرض في ساعات معدودة ودحرجت السفن علي الواح خشبية مدهونة بطبقة سميكة من الزيت والدهن..وتمت هذة العملية الجريئة ليلا بعيدا عن أعين العدو وقد كان منظر هذة السفن تسير عبر الحقول وكأنها تمخر عباب البحر من أعجب المناظر وأكثرها دهشة وهذا إن دل فإنما يدل علي عمل حربي ممتاز وعقلية هندسية رائعة ويؤرخ لهذة الحادثة بإعجاب الأمير البيزنطي دوكاس واللذي قابل الفاتح فيما بعد بقولة (ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق محمد الثاني يحول الأرض إلي بحار وتعبر سفنة فوق قمم الجبال بدلا من الأمواج لقد فاق بذلك الإسكندر الأكبر)... وفي صباح يوم 23 أبريل كانت المفاجئة صاعقة للبيزنط وهم يرون الخليج وهو يموج بقطع الأسطول العثماني من خلفهم وإنهارت المعنويات وإضطر البيزنط لسحب جزء كبير من المدافعين عن الأسوار البرية وتحويلهم إلي الأسوار المطلة علي الخليج وكانت أضعف كثيرا في تحصيناتها إعتمادا علي أن المياة تعتبر مانع طبيعي يزيدها قوة وقد أحدث ذلك خللا في دفاعات الأسوار البرية
ما تبقي من اسوار القسطنطينية كما نراها اليوم
وفي يوم 24 أبريل نصب العثمانيين جسرا يربط بين ضفتي الخليج...وعبثا حاول البيزنط تدمير الجسر والأسطول العثماني دون جدوي وقتل 150 بحارا بيزنطيا أثناء تلك المحاولات فإستشاط الإمبراطور غضبا وأمر بقتل الأسري العثمانيين لدية وكان عددهم 260 جنديا وألقي برؤوسهم من فوق الأسوار...وإستمر العثمانيون في دك أسوار المدينة بالمدافع وإنشغل المدافعون بإعادة بناء ما تم هدمة ليل نهار في عملية متواصلة أرهقت المدافعين ومهدت لإقتحام المدينة ووضع العثمانيون مدافع خاصة فوق الهضاب المجاورة للبسفور والقرن الذهبي مهمتها تدمير السفن البيزنطية في الخليج والبسفور والمياة المجاورة مما عرقل سفن الأعداء وأصابها بالشلل...وكان لدي البيزنطيون مدافع أيضا ولكنها كانت مدافع صغيرة الحجم وبدائية إذا ما قورنت بالمدافع العثمانية وكانو يعتمدون علي النار المسماة روم اتشي أو نار الروم والتي كانو يحتفظون بتركيبتها لعصور طويلة كسر حربي..وقد حمت روم أتشي المدينة من السقوط لمئات السنين من قبل ولكن هذة العصور كانت قد ولت وإنتهت ولم يلحق الروم بركب التطور في العتاد الحربي الحديث بعكس العثمانيين اللذين كان لديهم جيش حديث وقوي وكان بحوزتهم سلاح العصر وقت ذاك وهو المدفعية...ومرت الأيام وإشتد القصف المدفعي وزادت وتيرتة حتي أن المدفع السلطاني الكبير قد إنفجر ومات كل القائمين علية وعلي رأسهم المهندس المجري أوربان. والمدافعين عن المدينة لا يتوقفون عن محاولة إصلاح الأسوار فأرهقو إرهاقا شديدا  وبدأت الثغرات تتضح رويدا رويدا في أسوار المدينة وحاول العثمانيين تسلق الأسوار مرارا وأعدو لذلك قلاع خشبية شاهقة وإلتحمو في معارك عديدة مع البيزنط فوق الأسوار قتل فيها الكثير من الطرفين دون التمكن من حسم هذة المعارك لأحد من الطرفين وإحترقت القلاع بفعل نار روم أتشي..وفي 16 مايو بدأ العثمانيين في خوض حرب من نوع جديد حيث حفرو العديد من الأنفاق تحت أسوار المدينة ولكن البيزنط إنتبهو لذلك وقامو بحفر أنفاق تقابل الأنفاق العثمانية فكان كلما وصل العثمانيين لنفق البيزنط ظنو أنها سراديب خاصة للوصول إلي داخل المدينة فيفرحو بذلك ويتقدمو داخلها فيفاجئهم البيزنط بروم أتشي والنفط المحترق والمواد الملتهبة فمات وإحترق الكثير من الأجناد العثمانية وإنسحبت البقية وعلي الرغم من الخسائر العثمانية فإن حرب الأنفاق لم تتوقف حتي اليوم الأخير من سقوط المدينة وقد زاد ذلك المدافعون إرهاقا وتعبا ويوما بعد يوم بدأت تضعف همتهم وتسلل اليأس إلي قلوبهم وبدا أن سقوط المدينة مسألة وقت....وفي يوم 23 مايو أرسل السلطان صهرة إسفنديار أوغلو قاسم بك كمبعوث خاص لة ليتفاوض علي تسليم المدينة فقابل الإمبراطور وقال لة أن المدينة علي وشك السقوط وأن السلطان يريد حقن الدماء وأنة لابد أن يسلم المدينة طوعا وانة وفقا لقواعد الإسلام فلن يصيب أهلها أي سوء أما إذا سقطت عنوة فإن السلطان ليس مسئولا عن الدماء التي قد تسيل فكان رد الإمبراطور بأن ما يدعوة إلي تسليمة ليست مجرد مدينة كغيرها بل هو أكبر تاج إمبراطوري مسيحي يرجع تاريخة لأكثر من 1500 عام وقال قولتة الشهيرة (عن قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش أو يكون لي فيها قبر)..وعقد زعماء المدينة يوم 24 مايو إجتماعا مع الإمبراطور ونصح البعض الإمبراطور بالخروج بنفسة هربا قبل سقوط المدينة لكي يحاول جمع المساعدات لإنقاذها أو إستعادتها بعد السقوط  فرفض الإمبراطور بشدة وأصرعلي  قيادة شعبة حتي الرمق الأخير من حياتة وهنا يجب أن نتوقف مع  شجاعة قسطنطين الحادي عشر فلم يكن الرجل جبانا بل أظهر رجولة ومروءة تستحق الإشادة فكم من ملك وسلطان وإمبراطور قد نجا بحياتة وقت المحنة وترك شعبة يواجة مصيرة بين أيدي الأعداء المنتصريين ولم يكن هو واحدا من هؤلاء...وفي يوم 26 مايو حضر من المجر إلي محمد الثاني وفد كبير بإسم المسيحية وهدد بأن أسطول البندقية واللذي كان من أقوي أساطيل العالم وقت ذاك علي وشك إجتياز بوغاز جنا قلعة وأن جيشا مسيحيا كبيرا أكمل إستعداداتة لإجتياز ألطونة نحو الجنوب وإرتاع الوزير خليل باشا وكرر نصيحتة للمرة الثانية بالإنسحاب وتحاشي غضب أوروبا ولكنة إصطدم برأي الأغلبية من القادة المنادين بضرورة مواصلة القتال حتي الفتح يؤيدهم رأي شيخي الفاتح ومعلماة أق شمس الدين والكوراني فإستبشر السلطان وعزم علي إقتحام المدينة...وفي الحقيقة فلم يكن هناك وجود لأية أساطيل أو جيوش تستطيع تهديد العثمانيين وصدهم عن المدينة ولو أرادت أوروبا نصرة القسطنطينية لبدا ذلك جليا منذ اليوم الأول لتحرك القوات العثمانية نحو المدينة ولكنهم تركو المدينة بدون عون مؤثر لتواجة مصيرها المحتوم

ثم أصدر السلطان صباح 29 مايو أمرا بهجوم شامل علي المدينة من كل الجبهات برا وبحرا وقصفت المدافع بلا هوادة ودقت أجراس الكنائس البيزنطية بلا إنقطاع وتقدمت الجنود العثمانية نحو الأسوار يتسلقونها بالسلالم من البر والبحر وإستشهد معظم المتسلقين ولكن ذلك لم يفت في عضد الجنود فقد كانت هناك موجات وراء موجات من العثمانية بدت للمدافعين كموجات بحرية لن تتوقف أبدا..وتم تركيز الهجوم علي الأبراج الشمالية للمدينة عند باب يسمي بالتركية باب طوبقا بو أو باب المدفع بالعربية...وفي خضم المعارك عند باب طوبقا بو جرح القائد العام للمدافعين  جيوفاني جيوستنياني وفر من المدينة ناجيا بحياتة علي متن إحدي السفن هو ومن معة من البحارة الإيطاليين وإنهارت معنويات المدافعين وعلم السلطان بهروب جيوفاني فتركز الهجوم اكثر وأكثر نحو باب طوبقا بو...وتمكن ضابط عثماني شاب صغير الرتبة يسمي أولوبادلي حسن من تسلق الاسوار ومعة ثلاثون جنديا عثمانيا ورفع الراية العثمانية فوق الأسوار فإهتاج المدافعون وإندفعو نحوهم وإستشهد أولوبادلي و18 من فرقتة ولكن بقية ال 12 حافظو علي رايتهم وبدأ تدفق الجنود العثمانيين إلي داخل المدينة من تلك النقطة وإلتفو حول المدافعين من الخلف وقطعو عليهم سبيل العودة إلي داخل المدينة وتوجة الإمبراطور بنفسة نحو باب طوبقا بو وقاتل حتي قتل بشرف وإنهزم المدافعون بعد معركة دموية قاتلو فيها ببسالة...ثم تم فتح الأبواب والقلاع المجاورة ودخلت كل وحدات الجيش العثماني إلي داخل المدينة  ولجأ الشعب البيزنطي إلي الكنائس وخاصة كنيستهم المقدسة ايا صوفيا وتم الأمر وفتحت المدينة بعد حصار دام 54 يوما ودخل الفاتح المدينة ظهر يوم 29 مايو 1453 ظافرا ووصل إلي كنيسة أيا صوفيا فطمأن المعتصمين فيها وأمنهم وأخليت الكنيسة وأمر الفاتح بتحويلها إلي مسجد وصلي بداخلها صلاة العصر وسميت المدينة بإسلام بول أي مدينة الإسلام وفي 1 يونيو أقيمت أول صلاة جمعة في المدينة وأعلنها الفاتح مركزا للدولة وعاصمة للعرش وظلت عاصمة للخلافة العثمانية حتي إندحارها ثم عاصمة لتركيا الحديثة وإلي يومنا هذا....


الجدل حول معاملة الفاتح لأهل القسطنطينية:

لقد حاول معظم المؤرخين الأوروبيين تشوية فتح القسطنطينية وألصقو بمحمد الفاتح تهمة إضطهاد المسيحيين وقتلهم وإسترقاقهم وسلب أموالهم وإجبارهم علي ترك دينهم وممارسة عملية التطهير العرقي ضدهم وهم في ذلك لا يسوقون أدلة تاريخية مقنعة وإنما يدفعهم تعصبهم الأعمي ضد الإسلام..وفي الواقع فإن اللذي حدث هو مجرد تطبيق لقانون الحرب في زمن القرون الوسطي فقد فرضت الجزية وترك للمسيحيين حرية إقامة الشعائر الدينية والإحتكام للشريعة المسيحية في قوانين الأحوال الشخصية وإحتفظو بأموالهم وممتلكاتهم وتم إفتداء للأسري بالمال أو بالأعمال الإلزامية ويعتبر ذلك قمة الرحمة والإنسانية بمقاييس ذلك الزمن وهذا لا يقارن بما فعلة المسيحيين الغربيين أنفسهم في عام 1204 ميلادية بواسطة الحملة الصليبية الرابعة التي كانت تهدف لإستعادة القدس من أيدي المسلمين ولكنهم قبل ذلك بسنوات إحتلو القسطنطينية بغرض خادع وهو توحيد الكنيستين الشرقية والغربية فخربو الكنائس  ونهبو الثروات وقسمو المدينة بين أمرائهم وأجبرو المدينة علي إعتناق المذهب الكاثوليكي وتم تعيين البطريرك الكاثوليكي توماس مورسيني بطريرك لكنيسة اياصوفيا وهذا يؤكد ويفسر بما لايدع مجالا للشك سر كراهية البيزنطيين الشديدة للكنيسة الكاثوليكية الغربية وتفضيلهم إذا ما خيرو بين العثمانيين والمسيحيين الغربيين بإختيار العثمانيين كما سبق سردة وفية دلالة علي عدل العثمانيين إذا ما قورن ذلك بالغربيين وقد إستعادت بيزنطة دولتها بعد ذلك بسبعة وخمسين عاما في 1261 ميلادية في سلسلة من الأحداث ليس هذا مكانا لسردها..وإن ما حدث بتحويل كنيسة أيا صوفيا إلي مسجد وصلاة الفاتح فيها تم بموجب قوانين الحرب في ذلك الزمان حيث فتحت المدينة عنوة وإن كان من الأفضل والأقرب لتعاليم الإسلام الصحيح عدم القيام بذلك.....وهناك حادثة أخري تقول بأن المدينة قد إستبيحت لمدة ثلاثة أيام من قبل الجنود العثمانية تنفيذا لوعد الفاتح لهم إن سقطت المدينة تشجيعا لهم فنهبو الكنائس والبيوت والأديرة وهي حادثة مشينة إن كانت قد حدثت ولكني أقول إن الفاتح لم يكن نبيا ولم يكن جنودة من الصحابة أو الصالحين فمن الوارد أن تحدث بعض الإنتهاكات من الجنود وهذا غير مقبول إسلاميا ولكنة أيضا لا يوصم مجمل عملية الفتح بالوحشية والهمجية ولا يشين الإسلام في شيء فقد كان مجمل الأمر أقرب إلي العدل بمقاييس ذلك الزمن ويكفي مقارنة ماتم في القسطنطينية بما فعلة نصاري أسبانيا أثناء عملية طرد المسلمين من الأندلس من فظائع والتي كانت متزامنة مع فتح القسطنطينية....وهناك فرية أخري تستدل علي إضطهاد المسيحيين هي أن مسيحي تركيا الحديثة نسبتهم 1% من مجمل عدد السكان فأين ذهب البيزنطيون؟؟؟؟والرد علي ذلك بسيط فإن عدد سكان مدينة القسطنطينية وقت الفتح يقارب 60000 ألف نسمة من المسيحيين وأن تعداد المدينة قد تضاعف في حياة الفاتح نفسة أربع مرات فبالطبع كانت الأغلبية مسلمة بمرور الوقت بعد إستيطان المسلمين في بيزنطة وإن ما حدث قبل وبعد الحرب العالمية الأولي من مذابح للأرمن أدت إلي هروب كثير من المسيحيين خارج تركيا ليس للفاتح فيها ولا للإسلام ذنب ثم علي أسوأ الأحوال فقد ظلت نسبة ال 1% باقية فكم هي نسبة الأسبان المسلمين اليوم؟؟؟؟ هي 0 %


أثر سقوط القسطنطينية علي العالم:

يعتبر سقوط القسطنطينية من اهم وقائع التاريخ الأوروبي وعدة الأوروبيون نهاية العصور الوسطي وبداية العصور الحديثة وقد قطع هذا الفتح طريق البحار الشرقية علي أوروبا فكان عليهم إيجاد طرق بحرية جديدة فقامت دولتي أسبانيا والبرتغال بحركة الكشوف البحرية الغربية بكل أثارها العلمية والجغرافية الهائلة وتغير العالم وتم تجاوز حقبة القرون الوسطي...وبالنسبة للمسلمين فقد إنتهي صراع أسطوري مع دولة عتيدة بنصر عظيم للمسلمين.. وإنهار الحاجز اللذي كان دائما ما يحمي شرق أوروبا من الفتوحات الإسلامية  وسقطت الممالك والدول البلقانية تباعا وإنتشر الإسلام في أوروبا الشرقية في البوسنة والهرسك والبانيا وكوسوفا هذا غير الكثير من الأقليات في مختلف دول أوروبا الشرقية بفضل ذلك الفتح المبين وعلي يد فاتحين عظام من سلالة بني عثمان ولا يزال الإسلام مزدهرا في هذة البقاع حتي يومنا هذا.وكان من أثار الفتح قبول معظم الدول الإسلامية للسيادة العثمانية في العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا حيث ضمت هذة البلدان في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وبذلك تم تكوين وحدة سياسية للعالم الإسلامي بعد زوال الخلافة العباسية إستطاعت أن تقوم بدور مؤثر في حماية العالم الإسلامي من الخطر الإستعماري حتي القرن التاسع عشر....ولا تزال هناك غصة في حلق أوروبا من وجود المسلمين في شرقها متمثلين في تركيا الحديثة إلي يومنا هذا وما رفضهم لإنضمام تركيا للإتحاد الأوروبي إلا لهو أوضح مثال علي ذلك 

غروب وشروق:
في الوقت اللذي كانت فية الإمبراطورية العثمانية في أوج قوتها ومجدها بعد فتح القسطنطينية كانت تجري هناك في الغرب مأساة كبري فقد كانت الأندلس تلفظ أنفاسها الأخيرة فلم يتبقي للمسلمين في الأندلس بحلول ذلك الوقت سوي مملكة غرناطة وكان هناك صراع أسطوري أخر علي وشك الإنتهاء بين الإسلام والغرب ولكن نتيجة الصراع لم تكن تبدو في صالح المسلمين كما كان الحال شرقا  فقد بدأت شمس الإسلام في الغروب في الأندلس لتسطع مجددا في شرق أوروبا علي يد العثمانيين وقد فكرالمسلمين في ما قد تبقي من الأندلس بالإستنجاد بالعثمانيين بعد إنتصاراتهم المدوية شرقا وقبل سقوط غرناطة بأربعة عشر عاما أرسل أهلها سفارة إلي محمد الفاتح في إسطنبول شرحت خطورة الموقف وإستنجدت بالسلطان ولكن كان من المتعذر علي السلطان فعل أي شيء لأنة في ذلك الوقت كان يواجة تحالفا مسيحيا بزعامة البابا يضم جنوة ونابولي والمجر وترانسيلفانيا وجزيرة رودس وكانت نذر حرب قادمة قد تشتعل في أية لحظة مانعة لأية نجدة وأيضا لا نغفل صعوبة فعل ذلك بسبب طول خطوط الإمداد والمواصلات بين إسطنبول وغرناطة كما أن الإمبراطورية العثمانية لم تكن قد ضمت شمال إفريقيا  إلي ممتلكاتها بعد ثم مات الفاتح وتولي بعدة إبنة السلطان بايزيد الثاني الحكم وتكررت المحاولات في الإستنجاد بالعثمانيين مرة أخري بسفارة إلي بايزيد قبل سقوط غرناطة بستة سنوات في عام 1486 ميلادية ومرة أخري حالت ظروف التحالفات الصليبية ضد العثمانيين دون العون والمساعدة وكان الموقف أخطر في عهد بايزيد حيث دارت الحرب بينة وبين التحالف الصليبي وأدي ذلك إلي فقد العثمانيين بعض ممتلكاتهم كما كان يخوض صراعا جانبيا ضد أخية الطامع في كرسي الحكم ولكن رغم كل ذلك فقد بادر بإرسال سفارة إلي البابا يهددة فيها بمعاملة المسيحيين في أراضي العثمانيين بالمثل إذا لم يكف ملك قشتالة عن التضييق علي غرناطة وبادر بإرسال أسطول بحري بقيادة كمال رئيس إلي الشواطيء الأسبانية فقام بتحريق وتخريب السواحل الإسبانية ونقل أولي قوافل المهاجرين من المسلمين واليهود إلي إسطنبول ولم يكن من الممكن فعل ما هو أكثر من ذلك .......وفي المجمل فلم يكن هناك أي عون يستطيع العثمانيين تقديمة لتجنب المصير المؤلم للأندلس و غربت الشمس للمرة الأخيرة علي أرض الإسلام في الأندلس في عام 1492 ميلادية حين سقطت غرناطة ولكنها سطعت مرة أخري قوية ومشرقة في شرق أوروبا بفضل العثمانيين...

المراجع :
تاريخ الدولة العثمانية-- يلماظ أوزتونا

فاتح القسطنطينية------ علي محمد الصلابي

محاولات المسلمين فتح القسطنطينية--- د حسن عوض الكريم علي


Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)