لم يكن يوما كغيرة بالنسبة لعم حسن فهو يوم الإستحقاق الإنتخابي الرئاسي والرجل يمتلك سوبرماركت صغير بجوار المدرسة مقر اللجنة الإنتخابية ويمني النفس بدخل وفير في هذا اليوم المتوقع لة أن يكون شديد الإزدحام والإقبال من الزبائن....عم حسن رجل سبعيني ذو جذور صعيدية أسمر البشرة نحيف القوام ذو عينان غائرتين وقد ترك الزمان أثرة في تجاعيد وجهة ... وهو رجل حاد الطباع علي الرغم من طيبتة ...خرج عم حسن من بيتة صباح اليوم الموعود وهو يكاد يعدو متكئا علي عصاة الغليظة متجها إلي السوبرماركت...وصل الرجل وهو يتصبب عرقا ثم إنحني إنحنائة شاب في العشرين وقام بفتح أقفال دكانة ثم رفع الباب رفعة شمشونية وبسرعة خاطفة إلتقط خرطوم المياة وقام برش أرضية الشارع أمامة وهو يسب التراب وما يسببة لة من متاعب....واللذي يعرف الرجل يشعر بأنة قد صغراليوم عشرات الأعوام ولم لا وحافز المكسب والربح يفعل العجائب....
وسرعان ما تقاطر المصوتين في طوابير طويلة وإشتد الزحام وبدأت شمس يونيو الحارقة تميل نحو منتصف السماء وإشتد الحر وعم حسن منهمك في بيع المشروبات المثلجة والسجائر والرجل يتنطط مثل أبرع بهلوان داخل السوبرماركت وكأنة إبن العشرين...ثم هدأت الحركة فجأة ...فساورعم حسن القلق فخرج من دكانة مستطلعا للأمر خوفا من وجود باعة جائلين منافسين فوجد عشرات من الناخبين ملتفين في شكل دائرة حول شيء ما لم يتبينة بينما يرعد الجو بأغنية وطنية للجيش . أغلق عم حسن باب السوبر ماركت الزجاجي ثم إخترق الحشود بعد عناء شديد...فإذا حلبة من الرقص تتباري فيها سيدات من مختلف الأعمار في الهز والتلوي مثل الأفاعي بعد أن فرغن من وضع أصواتهن والناس في طرب وسرور يصفقون ويصفرون .ونظر عم حسن إلي جوارة فإذا برجل خمسيني ينظر إلية قائلا هل يعجبك هذا؟؟؟لقد شيعت الأخلاق ومات الحياء ثم مال برأسة بعيدا عن عم حسن نحو الراقصات وعيناة تتفحصهن في تلذذ صبياني فإغتاظ عم حسن من الرجل فأمسكة من ذراعة قائلا وعاشت البجاحة فهز الرجل رأسة قائلا بجاحة واللة العظيم بجاحة عندك حق يا حاج وإنصرف عم حسن وهو يلعن الغباء وأهلة...فتح عم حسن باب دكانة من جديد...وبدأت حركة البيع تعود لطبيعتها ثم جاء وقت القيلولة وخف الزحام وبدأ عم حسن في الإسترخاء والراحة قليلا إستعدادا لما هو متوقع من عودة الناخبين بعد أن تنكسر حرارة الشمس وفتح تلفازة المتهالك علي قناة الاخبار وبينما هو كذلك إذ أقبلت زبونة أربعينية تضع نظارة شمسية تخفي معالم وجهها وترتدي بنطالا ضيقا وتي شيرت أضيق يبرز مفاتنها بينما يفوح منها عطر رائع الرائحة ويبدو عليها ملامح الغني ويسر الحال ودار بينهما هذا الحوار.............
السيدة......هاي يا حاج
عم حسن....وعليكم السلام يا إبنتي
السيدة.......عايزة بيبسي وشيبسي بالشطة وشيكولاتة ولو عندك باتون سالية
عم حسن....حاضر وينهمك في تحضير طلباتها
السيدة.......لمن أعطيت صوتك يا حاج؟؟؟؟؟؟
عم حسن...واللة يا بنتي أنا مشغول في الدكان ومش فاضي أروح
السيدة......نو نو يا حاج لازم تضع صوتك لمرشح الجيش ومتبقاش سلبي يعني عاجبك الفوضي إلي إحنا فيها؟؟؟؟؟؟ولا إنت مقاطع؟؟؟أوعي يكون حد من الجماعة الإرهابية أقنعك بالمقاطعة
عم حسن....إرهابية مين يا بنتي واللة أنا أعرف منهم ناس طيبين وجاري منهم ولا هو إرهابي ولا حاجة ومحدش أقنعني بحاجة
السيدة.......أوة شيت شكلك منهم بقولك إية forget it....
ثم غادرت الدكان متمتمة بكلمات إنجليزية لم يفهم منها عم حسن شيء ووقف الرجل مذهولا لا يدري ماذا فعل لتغضب الزبونة منة وتجري هكذا ثم ما لبث ان لعن نفسة قائلا جبر يلمك لما حد يسألك قولة أنا مع مرشح الجيش وقل فية أشعارا يبدو أن هذا هو الرأي السائد بين الناخبين علية العوض في البيعة.................
عاد الرجل إلي استراحتة ولم يمض الكثير حتي أقبل زبون ثلاثيني وسيم أصلع الرأس ذو لحية خفيفة يرتدي حلة سوداء ورابطة عنق حمراء ويمسك بيدة اليمني حقيبة جلدية أنيقة ودار بينهما هذا الحوار ......
الزبون......السلام عليكم ورحمة اللة وبركاتة يا حاج
عم حسن....وعليكم السلام يا إبني
الزبون......لو تكرمت حضرتك أعطني باكو نعناع وزجاجة عطر الحرمين
عم حسن....حاضر ويبدأ في تجهيز المطلوب
الزبون......لمن ستعطي صوتك يا حاج؟؟؟؟؟؟؟
عم حسن....لمرشح الجيش طبعا خلاص احنا شبعنا من الفوضي
الزبون.....لا حول ولا قوة إلا باللة معقول يا حاج أنت رجل في سن الحكمة ومتراكم الخبرات كيف ينطلي عليك هذا؟؟؟؟تنتخب قاتل
عم حسن...قاتل مين يا إبني؟؟؟؟؟ أنا لم أنتخبة بعد ويمكن مقدرش أروح
الزبون.....ضاحكا... قال متقدرش تروح قال... بقول لحضرتك إية أنا إفتكرت لقيت في جيبي نعناع وعطر الحرمين دة رائحتة سيئة ولن أشترية بعد اليوم وإنطلق الرجل وهو يهمهم بكلمات عربية فصحي لم يفهم منها عم حسن شيئا
وذهل عم حسن من تصرف الرجل وعاتب نفسة قائلا يا ولد الفرطوس لما حد يسألك في السياسة إكتم خشمك خالص لا تتفوة بكلمة
عاد الرجل إلي إستراحتة ولم يمض الكثير حتي اقبل زبون عشريني يرتدي تي شيرت أسود مرسوم علية جمجمة بيضاء وسروال جينز ضيق وحذاء ضخم ودار بينهما هذا الحوار.............
الزبون.....سلام يا حاج
عم حسن...وعليكم السلام يا بني
الزبون.....بليز يا حاج عايز علبة سجائر مارلوبورو حمراء وقلم ليزر
عم حسن...يجهز المطلوب
الزبون.....أوك يا حاج يا تري انتخبت مين يا ريت تكون وضعت صوتك لصالح مرشح الدولة المدنية؟؟؟؟
عم حسن...الحساب 30 جنيها
الزبون.....حساب إية يا حاج بقولك هتنتخب مين
عم حسن................................................
الزبون....أة فهمت إنت من حزب الكنبة ستقاطع عملية التصويت أمثالكم أيها العجائز المتهالكين هم من ضيعونا ثلاثين عاما والأن
ستضيعونا مرة أخري بجهلكم وغبائكم وسلبيتكم المقيتة
وهنا إحمرت وجنتا عم حسن وتدفق الدم في عروق جبهتة وأصبح علي وشك الإنفجار
الزبون.....إنت إتطرشت ولا إية؟؟؟؟؟؟؟؟
ولم يدر الزبون أنة بهذة الكلمة الأخيرة قد قام بالضغط علي زر تفعيل القنبلة الموقوتة التي تحول إليها عم حسن........................
وفي سرعة البرق كان عم حسن قد إلتقط عصاة الغليظة وهوي بها علي رأس الفتي اللذي أخذتة المفاجأة فسقط علي ظهرة متدحرجا علي درجات السلم...ثم قفز عم حسن من علي درجات السلم كالفهد وانطلق رافعا عصاة ممسكا طرف جلبابة بأسنانة يعدو وراء الفتي المذعور..ومن ورائهم يعدو عشرات الأشخاص علي عادة أهل المحروسة في الخناقات...إنطلق الفتي يعدو نحو جنود الجيش علي باب المقر الإنتخابي مستغيثا بهم وعم حسن منطلق كالسهم وراء فريستة حتي أوقفة الجنود علي الباب وحالو بينة وبين الفتي وقد إسترعي ذلك انتباة النساء في حلبة الرقص فهرعن إلي الباب ووقفت إحداهن بجانب عم حسن وزغرت لة قائلة إية يا راجل يا ناقص هو دة قدك علشان تجري وراة كدة عملك إية؟؟؟ولم تدري المرأة أنها قد فعلت زر الإنفجار الثاني لدي عم حسن فإرتفعت عصا عم حسن ثم هوت علي رأس المرأة التي صرخت يا لهوييييييييييي...وأمسك جنود الجيش بعم حسن وكان قد وصل إلي المكان مئات المتطفلين وإنطلقت الكلمات من مئات الأفواة في نفس الوقت واشتبك عشرات الأشخاص مع بعضهم البعض بالأيدي والشوم والمطاوي في خناقة كبري لا يدري الضارب فيها لماذا يضرب ولا المضروب لماذا ضرب......وفي خضم هذا الجدل تساقطت الحجارة من السماء علي رؤوس الجميع وتعالت أصوات مجلجلة يسقط يسقط حكم العسكر وتعالت أصوات أخري تسلم الأيادي وأفلت عم حسن من أيدي الجنود وارتفعت عصاة وهوت علي رأس كل من إقترب منة فكان كالجمل الأورق وسط المعركة ...ثم قذفت القنابل المسيلة للدموع وانطلق الرصاص وسقط عم حسن قتيلا مضرجا في دماؤة برصاصة طائشة .......................
المشهد الأخير:
سوبر ماركت عم حسن وقد نهبت محتوياتة وتناثر الزجاج المكسور علي أرضيتة وتكسرت الأرفف ولم يتبقي سوي تلفيزيون عم حسن المتهالك اللذي تركة مفتوحا علي قناة الأخبار...وظهرت صورة عم حسن مضرجا في دماؤة بينما علا صوت المذيعة في الخلفية...جائنا هذا الخبر العاجل مقتل عجوز من أتباع الجماعة الإرهابية أثناء محاولتة تفجير نفسة أمام مقر اللجنة الإنتخابية بدائرة .......................................
إرسال تعليق
0تعليقات